فصل: تفسير الآيات رقم (34- 36)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تَفْسِيرِ سُورَةِ الِانْفِطَارِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ‏}‏ انْشَقَّتْ، وَإِذَا كَوَاكِبُهَا انْتَثَرَتْ مِنْهَا فَتَسَاقَطَتْ، ‏{‏وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَمَلَأَ جَمِيعَهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ‏}‏ فُجِّرَ عَذْبُهَا فِي مَالِحِهَا، وَمَالِحُهَا فِي عَذْبِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَذَهَبَ مَاؤُهَ‏.‏ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ‏:‏ مُلِئَتْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا الْقُبُورُ أُثِيرَتْ فَاسْتُخْرِجَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى أَحْيَاءً، يُقَالُ‏:‏ بَعْثَرَ فَلَانٌ حَوْضَ فُلَانٍ‏:‏ إِذَا جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، يُقَالُ‏:‏ بَعْثَرَةً وَبَحْثَرَةً‏:‏ لُغَتَانِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بُحِثَتْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ عَلِمَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُهُ، وَأَخَّرَتْ وَرَاءَهُ مِنْ شَيْءٍ سَنَّهُ فَعُمِلَ بِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَنِ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي‏:‏ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَدَّمَتْ مِمَّا عَمِلَتْ، وَأَمَّا مَا أَخَّرَتْ فَالسُّنَّةُ يَسُنُّهَا الرَّجُلُ يُعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ مَا قَدَّمَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَدَّتْهَا، وَمَا أَخَّرَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي ضَيَّعَتْهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهَا ‏(‏وَأَخَّرَتْ‏)‏ قَالَ‏:‏ مِمَّا افْتُرِضَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَعْلَمُ مَا قَدَّمَتْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا أَخَّرَتْ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ حَقٍّ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ، وَأَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ‏{‏مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَدَّمَتْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَدَّمَتْ‏:‏ عَمِلَتْ، وَمَا أَخَّرَتْ‏:‏ تَرَكَتْ وَضَيَّعَتْ، وَأَخَّرَتْ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي دَعَاهَا اللَّهُ إِلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَخَّرَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ‏:‏ ذَكَرُوا عِنْدَهُ هَذِهِ الْآَيَةَ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنَا مِمَّا أَخَّرَ الْحِجَاجَ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا عَمِلَ الْعَبْدُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ مِمَّا قَدَّمَهُ، وَأَنَّ مَا ضَيَّعَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يَعْمَلْهُ، فَهُوَ مِمَّا قَدْ قَدَّمَ مِنْ شَرٍّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا أَخَّرَ مِنَ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ هُوَ مَا عَمِلَهُ‏.‏ فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْمَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَيِّئَةٌ قَدَّمَهَا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا‏:‏ مَا أَخَّرَ‏:‏ هُوَ مَا سَنَّهُ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ، مِمَّا إِذَا عَمِلَ بِهِ الْعَامِلُ، كَانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الْعَامِلِ بِهَا أَوْ وِزْرِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ، أَيُّ شَيْءٍ غَرَّكَ بِرَبِّكِ الْكَرِيمِ، غَرَّ الْإِنْسَانَ بِهِ عَدُوُّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏}‏ شَيْءٌ مَا غَرَّ ابْنَ آَدَمَ هَذَا الْعَدُوُّ الشَّيْطَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الَّذِي خَلَقَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فَسَوَّى خَلْقَكَ ‏(‏فَعَدَّلَكَ‏)‏ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامَ وَالْبَصْرَةَ ‏(‏فَعَدَّلَكَ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِهَا، وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ جَعَلَكَ مُعْتَدِلًا مُعَدَّلَ الْخَلْقِ مُقَوَّمًا، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى صَرَفَكَ وَأَمَالَكَ إِلَى أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا إِلَى صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِمَّا إِلَى صُورَةٍ قَبِيحَةٍ، أَوْ إِلَى صُورَةِ بَعْضِ قِرَابَاتِهِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَهُمَا إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، لِأَنَّ دُخُولَ ‏"‏ فِي ‏"‏ لِلتَّعْدِيلِ أَحْسَنُ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ دُخُولِهَا لِلْعَدْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ‏:‏ عَدَّلْتُكَ فِي كَذَا، وَصَرَّفْتُكَ إِلَيْهِ، وَلَا تَكَادُ تَقُولُ‏:‏ عَدَلْتُكَ إِلَى كَذَا وَصَرَّفْتُكَ فِيهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ التَّشْدِيدَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَذَكَرْنَا أَنَّ قَارِئِي ذَلِكَ تَأَوَّلُوهُ، جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أَيِّ شَبَهِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ عَمٍّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ حِمَارٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ‏{‏فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ خِنْـزِيرًا أَوْ حِمَارًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ قِرْدٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ خِنْـزِيرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُطَهَّرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ‏:‏ ‏"‏ مَا وُلِدَ لَكَ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَسَى أَنْ يُولَدَ لِي، إِمَّا غُلَامٌ، وَإِمَّا جَارِيَةٌ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَمَنْ يُشْبِهُ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ عَسَى أَنْ يُشْبِهَ‏؟‏ إِمَّا أَبَاهُ، وَإِمَّا أُمَّهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا‏:‏ ‏"‏ مَهْ، لَا تَقُولَنَّ هَكَذَا، إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَحْضَرَ اللَّهُ كُلَّ نَسَبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آَدَمَ، أَمَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآَيَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏{‏فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَلَكَكَ ‏"‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏9- 13‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَيْسَ الْأَمْرُ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ فِي عِبَادَتِكُمْ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَكِنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْحِسَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِيَوْمِ الْحِسَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ شِدَّةٍ، يَوْمَ يُدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ رُقَبَاءَ حَافِظِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَيُحْصُونَهَا عَلَيْكُمْ ‏{‏كِرَامًا كَاتِبِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كِرَامًا عَلَى اللَّهِ كَاتِبِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَكُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابْنا، عَنْ أَيُّوبَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَكْتُبُونَ مَا تَقُولُونَ وَمَا تَعْنُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْحَافِظُونَ مَا تَفْعَلُونَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، يُحْصُونَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ بَرُّوا بِأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ لَفِي نَعِيمِ الْجِنَانِ يَنْعَمُونَ فِيهَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 19‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ الْفُجَّارَ‏}‏ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ‏{‏لَفِي جَحِيمٍ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ يَصْلَى هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ الْجَحِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُدَانُ الْعِبَادُ بِالْأَعْمَالِ، فَيُجَازَوْنَ بِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ مِنَ الْجَحِيمِ بِخَارِجِينَ أَبَدًا، فَغَائِبِينَ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا مُخَلَّدُونَ مَاكِثُونَ، وَكَذَلِكَ الْأَبْرَارُ فِي النَّعِيمِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا أَدْرَاكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ وَمَا أَشْعَرَكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ أَيُ شَيْءٍ يَوْمُ الْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ، مُعَظِّمًا شَأْنَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، بِقِيلِهِ ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ‏}‏ تَعْظِيمًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ تُدَانُ فِيهِ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ أَشْعَرَكَ يَوْمَ الْمُجَازَاةِ وَالْحِسَابِ يَا مُحَمَّدُ، تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، ثُمَّ فَسَّرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْضَ شَأْنِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ الْيَوْمُ، ‏{‏يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَوْمَ لَا تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، فَتَدْفَعَ عَنْهَا بَلِيَّةً نَـزَلَتْ بِهَا، وَلَا تَنْفَعُهَا بِنَافِعَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا تَحْمِيهَا، وَتَدْفَعُ عَنْهَا مَنْ بَغَاهَا سُوءًا، فَبَطَلَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَاضْمَحَلَّتْ هُنَالِكَ الْمَمَالِكُ، وَذَهَبَتِ الرِّيَاسَاتُ، وَحَصَلَ الْمُلْكُ لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالْأَمْرُ كُلُّهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي‏:‏ الدِّينُ لِلَّهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ ثَمَّ أَحَدُّ يَوْمَئِذٍ يَقْضِي شَيْئًا، وَلَا يَصْنَعُ شَيْئًا إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏}‏ وَالْأَمْرُ وَاللَّهِ الْيَوْمَ لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ بِنَصْبِ ‏(‏يَوْمَ‏)‏ إِذْ كَانَتْ إِضَافَتُهُ غَيْرُ مَحْضَةٍ‏.‏ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّ ‏(‏يَوْمُ‏)‏ وَرَفْعُهُ رَدًّا عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالرَّفْعُ فِيهِ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إِلَى يَفْعَلُ، وَالْعَرَبُ إِذَا أَضَافَتِ الْيَوْمَ إِلَى تَفْعَلُ أَوْ يَفْعَلُ أَوْ أَفْعَلُ، رَفَعُوهُ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا يَوْمُ أَفْعَلُ كَذَا، وَإِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى فِعْلٍ مَاضٍ نَصَبُوهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

عَـلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا *** وَقُلْـتُ ألَمَّـا تَصْـحُ وَالشَّـيْبُ وَازِعُ

آَخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ‏}‏‏.‏

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ جَهَنَّمَ فِي أَسْفَلِهَا لِلَّذِينِ يُطَفِّفُونَ، يَعْنِي‏:‏ لِلَّذِينِ يَنْقُصُونَ النَّاسَ، وَيَبْخَسُونَهُمْ حُقُوقَهُمْ فِي مَكَايِيلِهِمْ إِذَا كَالُوهُمْ، أَوْ مَوَازِينِهِمْ إِذَا وَزَنُوا لَهُمْ عَنِ الْوَاجِبِ لَهُمْ مِنَ الْوَفَاءِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْءِ الطَّفِيفِ، وَهُوَ الْقَلِيلُ النَّـزْرِ، وَالْمُطَفِّفُ‏:‏ الْمُقَلِّلُ حَقَّ صَاحِبِ الْحَقِّ عَمَّا لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ وَالتَّمَامِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَوْمِ الَّذِي يَكُونُونَ سَوَاءً فِي حِسْبَةٍ أَوْ عَدَدٍ‏:‏ هُمْ سَوَاءٌ كَطَفِّ الصَّاعِ، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ كَقُرْبِ الْمُمْتَلِئِ مِنْهُ نَاقِصٌ عَنِ الْمَلْءِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لِيُوَفُّونَ الْكَيْلَ، قَالَ‏:‏ وَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُوَفُّوا الْكَيْلَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏}‏ فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَدَاشٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ قَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ أَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ كَيَّالٍ وَوَزَّانٍ فِي النَّارِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَزِنُ كَمَا يَتَّزِنُ وَلَا يَكِيلُ كَمَا يَكْتَالُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا مِنَ النَّاسِ مَا لَهُمْ قَبِلَهُمْ مَنْ حَقٍّ، يَسْتَوْفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَكْتَالُونَهُ مِنْهُمْ وَافِيًا، وَ‏"‏ عَلَى ‏"‏ وَ‏"‏ مِنْ ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَتَعَاقَبَانِ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ‏:‏ اكْتَلْتُ مِنْكَ، يُرَادُ‏:‏ اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا هُمْ كَالُوا لِلنَّاسِ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ‏.‏ وَمِنْ لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ وَزَنْتُكَ حَقَّكَ، وَكِلْتُكَ طَعَامَكَ، بِمَعْنَى‏:‏ وَزَنْتُ لَكَ وَكِلْتُ لَكَ‏.‏ وَمَنْ وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى ‏"‏ هُمْ ‏"‏، وَجَعَلَ ‏"‏ هُمْ ‏"‏ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ‏.‏ وَكَانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَجْعَلُهُمَا حَرْفَيْنِ، وَيَقِفُ عَلَى كَالُوا، وَعَلَى وَزَنَوْا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ هُمْ يُخْسِرُونَ‏.‏ فَمَنْ وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَعَلَ ‏"‏ هُمْ ‏"‏ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَجَعَلَ كَالُوا وَوَزَنُوا مُكْتَفِيَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا‏.‏

وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْوَقْفُ عَلَى ‏"‏ هُمْ ‏"‏، لِأَنَّ كَالُوا وَوَزَنُوا لَوْ كَانَا مُكْتَفِيَيْنِ، وَكَانَتْ هُمْ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، كَانَتْ كِتَابَةُ كَالُوا وَوَزَنُوا بِأَلِفٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هُمْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إِذْ كَانَ بِذَلِكَ جَرَى الْكُتَّابُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ شَيْءٌ مِنْ كِنَايَاتِ الْمَفْعُولِ، فَكِتَابُهُمْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏هُمْ‏)‏ إِنَّمَا هُوَ كِنَايَةُ أَسْمَاءِ الْمَفْعُولِ بِهِمْ‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُخْسِرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ يَنْقُصُونَهُمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا يَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْمُطَفِّفُونَ النَّاسَ فِي مَكَايِيلِهِمْ وَمَوَازِينِهِمْ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ شَأْنُهُ‏:‏ هَائِلٍ أَمْرُهُ، فَظِيعٍ هَوْلُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فَيَوْمَ يَقُومُ تَفْسِيرٌ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْمَخْفُوضِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ اللَّامُ رُدَّ إِلَى ‏"‏ مَبْعُوثُونَ ‏"‏، فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ وَقَدْ يَجُوزُ نَصْبُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخَفْضِ، لِأَنَّهَا إِضَافَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَلَوْ خَفَضَ رَدًّا عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَلَوْ رَفَعَ جَازَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

وكُـنْتُ كَـذِي رِجْلَيْنِ‏:‏ رِجْلٍ صَحِيحَةٍ *** وَرِجْـلٍ رَمَـى فِيهَـا الزَّمَـانُ فَشُلَّتِ

وَذُكِرَ أَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ، فَبَعْضٌ يَقُولُ‏:‏ مِقْدَارُ ثَلْثُمِائَةِ عَامٍ، وَبَعْضٌ يَقُولُ‏:‏ مِقْدَارُ أَرْبَعِينَ عَامًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُومُ أَحَدُكُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْه»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ ‏(‏« ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَغِيبُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ »‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ حَتَّى يَقُومَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «‏"‏ إِنَّ النَّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعَظَمَةِ اللَّهِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ آَذَانِهِمْ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بِكِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏(‏« ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ » ‏"‏، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا آَدَمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآَيَةَ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُومُونَ حَتَّى يَبْلُغَ الرَّشْحُ إِلَى أَنْصَافِ آَذَانِهِم»‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏« ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ »‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دَثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُومُونَ مِئَةَ سَنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏« ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرَّجُلَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ »‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ حَتَّى يَقُومَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السُّلَيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ صَدَرَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عِجْلَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، 32 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَشِيرٍ الْغِفَارِيِّ‏:‏ ‏"‏ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِي‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ مِقْدَارَ ثَلْثِمَائَةِ سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، لَا يأتِيهِمْ خَبَرٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بِأَمْرٍ ‏"‏، قَالَ بَشِيرٌ‏:‏ الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ إِذَا أَنْتَ أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسُوءِ الْحِسَابِ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُرَيْكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَمْكُثُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا رَافِعِي رُءُوسِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ، قَدْ أَلْجَمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، قَالَ‏:‏ فَيُنَادِي مُنَادٍ‏:‏ أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أَنْ خَلَقَكُمْ ثُمَّ صَوَّرَكُمْ، ثُمَّ رَزَقَكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا تَوَلَّى فِي الدُّنْيَا‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَرْبَعِينَ عَامًا، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ حُفَاةً عُرَاةً يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ، وَلَا يُكَلِّمُهُمْ بَشَرٌ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ‏:‏ يَقُومُونَ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ وَسَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ كَعْبُ يَقُولُ‏:‏ يَقُومُونَ مِقْدَارَ ثَلْثِمِائَةِ سَنَةٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ قَتَادَةُ‏:‏ وَحَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ الْعَدَوِّيُّ، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقْصُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَإِحْدَى صِلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏« ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُومُ الرَّجُلُ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ »‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ حَتَّى يَقُومَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ‏.‏

قَالَ يَعْقُوبُ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ‏:‏ قُلْتُ لِابْنِ عَوْنٍ‏:‏ ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْه»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلًّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏كَلًّا‏)‏، أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ، أَنَّهُمْ غَيْرُ مَبْعُوثِينَ وَلَا مُعَذَّبِينَ، إِنَّ كِتَابَهُمُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ أَعْمَالُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا ‏{‏لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ وَهِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى، وَهُوَ ‏"‏ فَعِّيلٌ ‏"‏ مِنَ السِّجْنِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ رَجُلٌ سِكِّيرٌ مِنَ السُّكْرِ، وَفِسِّيقٌ مِنَ الْفِسْقِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سَمِيٍّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سَمِيٍّ، قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَرْضُ السُّفْلَى، قَالَ‏:‏ إِبْلِيسُ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَالسَّلَاسِلِ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافَ، قَالَ‏:‏ كُنَّا جُلُوسًا إِلَى كَعْبٍ أَنَا وَرَبِيعُ بْنُ خَثِيمٍ وَخَالِدُ بْنُ عُرْعُرَةَ، وَرَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَأَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ كَعْبٍ، فَقَالَ‏:‏ يَا كَعْبُ أَخْبِرْنِي عَنْ سِجِّينٍ، فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ أَمَّا سِجِّينٌ‏:‏ فَإِنَّهَا الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى، وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ تَحْتَ حَدِّ إِبْلِيسَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إَِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ ذُكِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ‏:‏ هِيَ الْأَرْضُ السُّفْلَى فِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ، وَأَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ السُّوءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَعْمَالُهُمْ فِي كِتَابٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَمَلُهُمْ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَا يَصْعَدُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ قَاضِي الْيَمَنِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏سِجِّينٌ‏)‏ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُقَالُ سَجِينٌ‏:‏ الْأَرْضُ السَّافِلَةُ، وَسَجِينٌ‏:‏ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ حَدُّ إِبْلِيسَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ‏:‏ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ الْآَيَةَ، قَالَ كَعْبٌ‏:‏ إِنَّ رُوحَ الْفَاجِرِ يُصَعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَأْبَى السَّمَاءُ أَنْ تَقْبَلَهَا، وَيُهْبَطُ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَتَأْبَى الْأَرْضُ أَنْ تَقْبَلَهَا، فَتَهْبِطُ فَتَدْخُلُ تَحْتَ سَبْعِ أَرْضِينَ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى سِجِّينٍ، وَهُوَ حَدُّ إِبْلِيسَ، فَيَخْرُجُ لَهَا مِنْ سِجِّينٍ مِنْ تَحْتِ حَدِّ إِبْلِيسَ، رَقٌّ فَيُرْقَمُ وَيُخْتَمُ وَيُوضَعُ تَحْتَ حَدِّ إِبْلِيسَ بِمَعْرِفَتِهَا الْهَلَاكُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَحْتَ حَدِّ إِبْلِيسَ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ هُوَ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مَفْتُوحٌ، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ وَهَبٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مَسْكَانِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا نَضِرُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى، وَأَمَّا سِجِّينٌ فَمَفْتُوحٌ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ ذَكَرُوا أَنَّ سَجِينٌ‏:‏ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ، قَالَ‏:‏ وَيُرَى أَنَّ سَجِينٌ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا اسْمًا لَمْ يُجَرَّ، قَالَ‏:‏ وَإِنْ قُلْتَ‏:‏ أَجْرَيْتُهُ لِأَنِّي ذَهَبْتُ بِالصَّخْرَةِ إِلَى أَنَّهَا الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ الْكِتَابُ كَانَ وَجْهًا‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْتَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏سِجِّينٍ‏)‏ لِمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏سِجِّينٍ‏)‏ الْأَرْضُ السُّفْلَى‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ «وَذَكَرَ نَفْسَ الْفَاجِرِ، وَأَنَّهُ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا‏:‏ مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ فُلَانٌ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ‏.‏ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ‏}‏ فَيَقُولُ اللَّهُ‏:‏ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَجِينٌ‏:‏ صَخْرَةٌ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَيُجْعَلُ كِتَابُ الْفُجَّارِ تَحْتَهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسُلَّمَ‏:‏ وَأَيُّ شَيْءٍ أَدْرَاكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيَّ شَيْءٍ ذَلِكَ الْكِتَابُ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ‏:‏ هُوَ ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ وَعُنِيَ بِالْمَرْقُومِ‏:‏ الْمَكْتُوبُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ كِتَابٌ مَكْتُوبٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ رُقِمَ لَهُمْ بِشْرٍّ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَرْقُومُ‏:‏ الْمَكْتُوبُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ، ‏{‏الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَهِلُ الشِّرْكِ يُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ‏}‏ إِلَى آَخَرِ الْآَيَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏12- 14‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ‏{‏إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ‏}‏ اعْتَدَى عَلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ، فَخَالَفَ أَمْرَهُ ‏(‏أَثِيمٍ‏)‏ بِرَبِّهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏}‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ‏}‏ أَيْ بِيَوْمِ الدِّينِ، إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ فِي قَوْلِهِ، أَثِيمٍ بِرَبِّهِ، ‏{‏إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ حُجَجُنَا وَأَدِلَّتُنَا الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِنَا الَّذِي أَنْـزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فَكَتَبُوهُ، مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلًّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قَيْلِهِمْ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏كَلًّا‏)‏، مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ ‏{‏رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏‏.‏ يَقُولُ‏:‏ غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَغَمَرَهَا وَأَحَاطَتْ بِهَا الذُّنُوبُ فَغَطَّتْهَا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ رَانَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَقْلِهِ، فَهِيَ تَرِينُ عَلَيْهِ رَيْنًا، وَذَلِكَ إِذَا سَكِرَ، فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ‏:‏

ثُـمَّ لَمَّـا رَآَهُ رَانَـتْ بِـهِ الْخَـمْـ *** رُ وَأَنْ لَا تَرِينَـهُ باتِّقَـاءِ

يَعْنِي‏:‏ تَرِينَهُ بِمَخَافَةٍ، يَقُولُ‏:‏ سَكِرَ فَهُوَ لَا يَنْتَبِهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ‏:‏

لَـمْ نَـرْوَ حَـتَّى هَجَّـرَتْ وَرِيـنَ بِي *** وَرِيـنَ بالسَّـاقِي الَّـذِي أمْسَـى مَعِي

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «‏"‏ إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ صُقِلَ مِنْهَا، فَإِنْ عَادَ عَادَتْ حَتَّى تَعْظُمَ فِي قَلْبِهِ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «‏"‏ إِنَّ الْمُؤْمَنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَـزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سُهَيْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «‏"‏ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الضَّرَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الَلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «‏"‏ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً كَانَتْ نُكْتَةٌ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ وَنَـزَعَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، وَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏» قَالَ‏:‏ أَبُو صَالِحٍ‏:‏ كَذَا قَالَ‏:‏ صَقَلَتْ، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ سَقَلَتْ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سُهَيْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ خُلَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ وَقَرَأَ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَمُوتَ قَلْبُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ فَيَمُوتَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعَبْدُ يَعْمَلُ بِالذُّنُوبِ فَتُحِيطُ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ تَرْتَفِعُ، حَتَّى تَغْشَى الْقَلْبَ‏.‏

حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ‏:‏ أَرَانَا مُجَاهِدٌ بِيَدِهِ، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَرَوْنَ الْقَلْبَ فِي مِثْلِ هَذَا يَعْنِي‏:‏ الْكَفَّ، فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا ضَمَّ مِنْهُ، وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصَرِ هَكَذَا فَإِذَا أَذْنَبَ ضَمَّ أُصْبُعًا أُخْرَى، فَإِذَا أَذْنَبَ ضَمَّ أُصْبُعًا أُخْرَى، حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، ثُمَّ يُطْبَعُ عَلَيْهِ بِطَابَعٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّيْنُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الْقَلْبُ مِثْلُ الْكَفِّ، فَإِذَا أَذْنَبَ الذَّنْبَ قَبَضَ أُصْبُعًا، حَتَّى يَقْبِضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَإِنَّ أَصْحَابْنَا يَرَوْنَ أَنَّهُ الرَّانُّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةَ أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْقَلْبُ مَثَلُ الْكَفِّ، وَإِذَا أَذْنَبَ انْقَبَضَ وَقَبَضَ أُصْبُعَهُ، فَإِذَا أَذْنَبَ انْقَبَضَ حَتَّى يَنْقَبِضَ كُلُّهُ، ثُمَّ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الرَّانُ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَطَايَا حَتَّى غَمَرَتْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ انْبَثَّتْ عَلَى قَلْبِهِ الْخَطَايَا حَتَّى غَمَرَتْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُطْبَعُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَسَبُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَشِيَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهَوَتْ بِهَا، فَلَا يَفْزَعُونَ، وَلَا يَتَحَاشَوْنَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الذَّنْبُ حَتَّى يَمُوتَ الْقَلْبُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّانُ‏:‏ الطَّبْعُ يَطْبَعُ الْقَلْبَ مِثْلَ الرَّاحَةِ، فَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَصِيرُ هَكَذَا، وَعَقْدَ سُفْيَانُ الْخِنْصَرَ، ثُمَّ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَصِيرُ هَكَذَا، وَقَبَضَ سُفْيَانُ كَفَّهُ، فَيُطْبَعُ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ أَعْمَالُ السُّوءِ، أَيْ وَاللَّهِ ذَنْبٌ عَلَى ذَنْبٍ، وَذَنْبٌ عَلَى ذَنْبٍ حَتَّى مَاتَ قَلْبُهُ وَاسْوَدَّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يَرِينَ عَلَى الْقَلْبِ فَيَسْوَدَّ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ذُنُوبُهُمْ، فَلَا يَخْلُصُ إِلَيْهَا مَعَهَا خَيْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيُحِيطُ الذَّنْبُ بِقَلْبِهِ حَتَّى تَغْشَى الذُّنُوبُ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ وَهِيَ مِثْلُ الْآَيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ‏{‏بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 17‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، مِنْ أَنَّ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَةً، إِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ رَبِّهِمْ لَمَحْجُوبُونَ، فَلَا يَرَوْنَهُ، وَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ كَرَامَتِهِ يَصِلُ إِلَيْهِمْ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ كَرَامَتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ خُلَيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏}‏ هُوَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنِي نَمِرَانُ أَبُو الْحَسَنِ الذِّمَارِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَلِيكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ ‏{‏إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَنَّانُ وَالْمُخْتَالُ وَالَّذِي يَقْتَطِعُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِيَمِينِهِ بِالْبَاطِلِ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُنْقِرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ يَوْمٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَحْجُوبُونَ‏.‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْحِجَابُ عَنْ كَرَامَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْحِجَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآَيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِذَلِكَ الْحِجَابُ عَنْ مَعْنًى مِنْهُ دُونَ مَعْنًى، وَلَا خَبَرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَتْ حُجَّتُهُ‏.‏ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ هُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَعَنْ كَرَامَتِهِ إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَامًّا، لَا دَلَالَةَ عَلَى خُصُوصِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَوَارِدُو الْجَحِيمِ، فَمَشْوِيُّونَ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ‏:‏ ‏{‏هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ثُمَّ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏:‏ هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْمَ، هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تُخْبَرُونَ أَنَّكُمْ ذَائِقُوهُ، فَتُكَذِّبُونَ بِهِ، وَتُنْكِرُونَهُ، فَذُوقُوهُ الْآَنَ، فَقَدْ صُلِيتُمْ بِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 22‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ وَالْأَبْرَارُ‏:‏ جَمْعُ بَرٍّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَرُّوا اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ‏.‏ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ شَيْئًا حَتَّى الذَّرِّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ شَيْخٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عَنِ الْأَبْرَارِ، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ الْأَبْرَارُ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى عِلِّيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافَ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا وَأَنَا حَاضِرٌ عَنِ الْعِلِّيِّينَ، فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ- يَعْنِي‏:‏ الْعَتَكِيَّ- عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي السَّمَاءِ الْعُلْيَا‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏عِلِّيِّينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ فِي السَّمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلِ الْعِلِّيُّونَ‏:‏ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ‏:‏ هِيَ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى‏.‏

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، قَاضِي الْيَمَنِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عِلِّيُّونَ‏:‏ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فِي عِلِّيِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، عِنْدَ قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيُمْنَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شَمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ‏:‏ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ‏:‏ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ الْآَيَةَ، فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ إِنَّ الرُّوحَ الْمُؤْمِنَةَ إِذَا قُبِضَتْ، صُعِدَ بِهَا، فَفُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَلَقَّتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِالْبُشْرَى، ثُمَّ عَرَجُوا مَعَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْشِ، فَيُخْرَجُ لَهَا مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ فَيُرْقَمُ رَقٌّ، ثُمَّ يُخْتَمُ بِمَعْرِفَتِهَا النَّجَاةَ بِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتَشْهَدُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِالْعِلِّيِّينَ‏:‏ الْجَنَّةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجَنَّةُ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُزُورِيِّ مِنَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ إِذَا قُبِضَ رُوحُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَنْطَلِقُ مَعَهُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، قَالَ الْأَجْلَحُ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا الْمُقَرَّبُونَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقْرَبَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَتَنْطَلِقُ مَعَهُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ السَّادِسَةِ، ثُمَّ السَّابِعَةِ، حَتَّى تَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى‏.‏ قَالَ الَْأَجْلَحُ‏:‏ قُلْتُ لِلضِّحَاكِ‏:‏ لِمَ تُسَمَّى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَعْدُوهَا، فَتَقُولُ‏:‏ رَبُّ عَبْدُكَ فُلَانٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِصَكٍّ مَخْتُومٍ يُؤَمِّنُهُ مِنَ الْعَذَابِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِالْعِلِّيِّينَ‏:‏ فِي السَّمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَعْمَالُهُمْ فِي كِتَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فِي عِلِّيِّينَ؛ وَالْعِلِّيُّونَ‏:‏ جَمَعٌ مَعْنَاهُ‏:‏ شَيْءٌ فَوْقَ شَيْءٍ، وَعُلُوٌّ فَوْقَ عُلُوٍّ، وَارْتِفَاعٌ بَعْدَ ارْتِفَاعٍ، فَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، كَجَمْعِ الرِّجَالِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِنَاءٌ مِنْ وَاحِدِهِ وَاثْنَيهِ، كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا أَطْعَمَنَا مَرَقَةَ مَرَقَيْنِ‏:‏ يَعْنِي اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

قَدْ رَوَيَـتْ إِلَّا الدُّهَيْدِهِينَـا *** قَلَيُّصَـاتٍ وَأُبَيْكِرِينَـا

فَقَالَ‏:‏ وَأْبَيْكِرِينَا، فَجَمَعَهَا بِالنُّونِ إِذْ لَمْ يَقْصِدْ عَدَدًا مَعْلُومًا مِنَ الْبَكَارَةِ، بَلْ أَرَادَ عَدَدًا لَا يُحَدُّ آَخِرُهُ، وَكَمَا قَالَ الْآَخَرُ‏:‏

فَـأَصْبَحَتِ الْمَـذَاهِبُ قَدْ أَذَاعَـتْ *** بِهَـا الْإِعْصَـارُ بَعْـدَ الْوَابِلِينَـا

يَعْنِي‏:‏ مَطَرًا بَعْدَ مَطَرٍ غَيْرِ مَحْدُودِ الْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ جَمْعٍ لَمْ يَكُنْ بِنَاءٌ لَهُ مِنْ وَاحِدِهِ وَاثْنَيْهِ، فَجَمْعُهُ فِي جَمِيعِ الْإِنَاثِ وَالذُّكْرَانِ بِالنُّونِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ‏:‏ عِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَالَّذِي ذَكَرْنَا، فَبَيِّنٌ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ مَعْنَاهُ‏:‏ فِي عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ فِي سَمَاءٍ فَوْقَ سَمَاءٍ، وَعُلُوٌّ فَوْقَ عُلُوٍّ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَإِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِلَى قَائِمَةِ الْعَرْشِ، وَلَا خَبَرَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ كِتَابَ أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ لَفِي ارْتِفَاعٍ إِلَى حَدٍّ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مُنْتَهَاهُ، وَلَا عِلْمَ عِنْدِنَا بِغَايَتِهِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْصُرُ عَنِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُعَجِّبُهُ مِنْ عِلِّيِّينَ‏:‏ وَأَيُّ شَيْءٍ أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ مَا عِلِّيُّونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏‏:‏ أَيْ مَكْتُوبٌ بِأَمَانٍ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏كِتَابٌ مَرْقُومٌ‏}‏ رُقِمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَشْهَدُ ذَلِكَ الْكِتَابَ الْمَكْتُوبَ بِأَمَانِ اللَّهِ لِلْبَرِّ مِنْ عِبَادِهِ مِنَ النَّارِ، وَفَوْزِهِ بِالْجَنَّةِ، الْمُقَرَّبُونَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ أَهْلِ السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَشْهَدُهُ مُقَرَّبُو أَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّالْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الْأَبْرَارَ الَّذِينَ بَرُّوا بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، لَفِي نَعِيمٍ دَائِمٍ، لَا يَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ نَعِيمُهُمْ فِي الْجِنَانِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ‏}‏ عَلَى السُّرُرِ فِي الْحِجَالِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، وَالْحَبْرَةِ فِي الْجِنَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْأَرَائِكِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏الْأَرَائِكُ‏)‏ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ تَعْرِفُ فِي الْأَبْرَارِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ ‏{‏نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ حُسْنَهُ وَبَرِيقَهُ وَتَلَأْلُؤَهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَعْرِفُ‏)‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ ‏{‏تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ‏}‏ بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ تَعَرِفُ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ ‏{‏نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏}‏ بِنَصْبِ نَضْرَةَ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ‏(‏تُعْرَفُ‏)‏ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ‏{‏فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏}‏ بِرَفْعِ نَضْرَةَ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ فَتْحُ التَّاءِ مِنْ ‏(‏تَعْرِفُ‏)‏ وَنَصْبُ ‏(‏نَضْرَةَ‏)‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُسْقَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارُ مِنْ خَمْرٍ صِرْفٍ لَا غِشَّ فِيهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْخَمْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ يَعْنِي بِالرَّحِيقِ‏:‏ الْخَمْرَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَمْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الرَّحِيقُ‏:‏ الْخَمْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏رَحِيقٍ‏)‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْخَمْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الْخَمْرُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ الرَّحِيقُ الْمَخْتُومُ‏:‏ الْخَمْرُ، قَالَ حَسَّانُ‏:‏

يَسْـقُونَ مَـنْ وَرَدَ الْـبَرِيصَ عَلَيْهِـمُ *** بَـرَدَى يُصَفَّـقُ بـالرَّحِيقِ السَّلْسَـلِ

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْخَمْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الرَّحِيقُ‏:‏ الْخَمْرُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَمْزُوجٌ مَخْلُوطٌ، مِزَاجُهُ وَخِلْطُهُ مِسْكٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِخَاتَمٍ، وَلَكِنْ خِلْطٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالْخَاتَمِ الَّذِي يُخْتَمُ، أَمَا سَمِعْتُمُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ تَقُولُ‏:‏ طَيِّبٌ كَذَا وَكَذَا خِلْطُهُ مِسْكٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ خِلْطُهُ مِسْكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏مَخْتُومٌ‏)‏ قَالَ‏:‏ مَمْزُوجٌ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ مِسْكٌ‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ آَخِرَ شَرَابِهِمْ يُخْتَمُ بِمِسْكٍ يُجْعَلُ فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الْخَمْرُ خُتِمَ بِالْمِسْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَيَّبَ اللَّهُ لَهُمُ الْخَمْرُ، فَكَانَ آَخِرَ شَيْءٍ جُعِلَ فِيهَا حَتَّى تُخْتَمَ الْمِسْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَاقِبَتُهُ مَسَّكٌ قَوْمٌ تُمْزَجُ لَهُمْ بِالْكَافُورِ، وَتُخْتَمُ بِالْمِسْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَيَّبَ اللَّهُ لَهُمُ الْخَمْرَ، فَوَجَدُوا فِيهَا فِي آَخِرِ شَيْءٍ مِنْهَا رِيحَ الْمِسْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرَدَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ‏:‏ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ فَالشَّرَابُ أَبْيَضُ مِثْلَ الْفِضَّةِ يَخْتِمُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، لَمْ يَبْقَ ذُو رُوحٍ إِلَّا وَجَدَ طِيبَهَا‏.‏

وَقَالَ آَخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَخْتُومٍ‏)‏ مُطَيَّنٍ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ طِينُهُ مِسْكٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ‏.‏ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ طِينُهُ مِسْكٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَخْتُومٍ‏)‏ الْخَمْرُ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏‏:‏ خِتَامُهُ عِنْدَ اللَّهِ مَسْكٌ، وَخِتَامُهَا الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا طِينٌ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ آَخِرُهُ وَعَاقِبَتُهُ مِسْكٌ‏:‏ أَيْ هِيَ طَيِّبَةُ الرِّيحِ، إِنَّ رِيحَهَا فِي آَخِرِ شُرْبِهِمْ يُخْتَمُ لَهَا بِرِيحِ الْمِسْكِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْخَتْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا الطَّبْعُ وَالْفَرَاغُ، كَقَوْلِهِمْ‏:‏ خَتَمَ فَلَانٌ الْقُرْآَنَ‏:‏ إِذَا أَتَى عَلَى آَخِرِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا وَجْهَ لِلطَّبْعِ عَلَى شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يُفْهَمُ إِذَا كَانَ شَرَابُهُمْ جَارِيًا، جَرْيَ الْمَاءِ فِي الْأَنْهَارِ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَتَّقًا فِي الدَّنَانِ فَيُطَيَّنُ عَلَيْهَا وَتُخْتَمُ، تَعَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْآَخَرِ وَهُوَ الْعَاقِبَةُ وَالْمَشْرُوبُ آَخِرًا، وَهُوَ الَّذِي خُتِمَ بِهِ الشَّرَابُ‏.‏ وَأَمَّا الْخَتْمُ بِمَعْنَى‏:‏‏:‏ الْمَزْجُ، فَلَا نَعْلَمُهُ مَسْمُوعًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ‏}‏ سِوَى الْكِسَائِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ ‏{‏خَاتَمَهُ مِسْكٌ‏}‏‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ ‏(‏خِتَامُهُ‏)‏ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَالْخِتَامُ وَالْخَاتَمُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ اسْمٌ، وَالْخِتَامَ مَصْدَرٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ‏.‏

فَبِتْـنَ بِجَـانِبَيَّ مُصَرَّعَـاتٍ *** وَبِـتُّ أفُـضُّ أَغْـلَاقَ الْخِتَـامِ

وَنَظِيرَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ‏:‏ هُوَ كَرِيمُ الطَّبَائِعِ وَالطِّبَاعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَفِي هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَعْطَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ فِي الْقِيَامَةِ، فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ‏.‏ وَالتَّنَافُسُ‏:‏ أَنْ يَنفِسَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لَهُ، وَيَتَمِنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَهُوَ الَّذِي تَحْرِصُ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ، وَتَطْلُبُهُ وَتَشْتَهِيهِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ‏.‏ فَلْيَجِدَّ النَّاسُ فِيهِ، وَإِلَيْهِ فَلْيَسْتَبِقُوا فِي طَلَبِهِ، وَلْتَحْرِصْ عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 29‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِزَاجُ هَذَا الرَّحِيقِ مِنْ تَسْنِيمٍ؛ وَالتَّسْنِيمُ‏:‏ التَّفْعِيلُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ سَنَّمَتْهُمُ الْعَيْنُ تَسْنِيمًا‏:‏ إِذَا أَجْرَيْتَهَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَكَانَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ وَمِزَاجُهُ مِنْ مَاءٍ يَنْـزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فَيَنْحَدِرُ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَقَدْ كَانَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيٌّ يَقُولَانِ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏تَسْنِيمٍ‏)‏ قَالَ‏:‏ تَسْنِيمٌ‏:‏ يَعْلُو‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَسْنِيمٍ‏)‏ قَالَ‏:‏ تَسْنِيمٌ يَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَهُوَ شَرَابُ الْمُقَرَّبِينَ‏.‏ وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَقَالُوا‏:‏ هُوَ عَيْنٌ يُمْزَجُ بِهَا الرَّحِيقُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْمُقَرَّبُونَ، فَيَشْرَبُونَهَا صِرْفًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ، وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَيُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مَسْرُوقٍ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏

قَالَ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ ‏{‏عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏

حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْجَنَّةِ عَيْنٌ يَشْرَبُ مِنْهَا الْمُقَرَّبُ ونَصِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ صِرْفًا، وَيُمْزَجُ فِيهَا لِمَنْ دُونُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّسْنِيمُ‏:‏ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صَرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَيْنٌ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ، وَيُمْزَجُ فِيهَا لِمَنْ دُونَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ عَيْنًا مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ تُمْزَجُ بِهِ الْخَمْرُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَفَايَا أَخْفَاهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ أَشْرَفُ شَرَابٍ فِي الْجَنَّةِ‏.‏ هُوَ لِلْمُقَرَّبِينَ صَرْفٌ، وَهُوَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِزَاجٌ‏.‏

حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ شَرَابٌ شَرِيفٌ، عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صَرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّهَا عَيْنٌ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، وَهِيَ مِزَاجُ هَذِهِ الْخَمْرِ، يَعْنِي مِزَاجَ الرَّحِيقِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ شَرَابٌ اسْمُهُ تَسْنِيمٌ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الشَّرَابِ‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَمِزَاجُ الرَّحِيقِ مِنْ عَيْنٍ تُسَنَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَتَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ ‏{‏يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ مِنَ اللَّهِ صَرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏عَيْنًا‏)‏ قَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ‏:‏ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ نَصْبَهُ عَلَى يُسْقَوْنَ عَيْنًا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مَدْحًا، فَيُقْطَعُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَكَأَنَّكَ تَقُولُ‏:‏ أَعْنِي‏:‏ عَيْنًا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ‏:‏ نَصْبُ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يُنَوَّى مِنْ تَسْنِيمِ عَيْنٍ، فَإِذَا نَوَّنْتَ نَصَبْتَ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا‏}‏ وَكَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً ‎‏}‏‏.‏ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ‏:‏ أَنْ يُنَوَّى مِنْ مَاءٍ سُنِّمَ عَيْنًا، كَقَوْلِك‏:‏ رَفَعَ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّسْنِيمُ اسْمًا لِلْمَاءِ فَالْعَيْنُ نَكِرَةٌ، وَالتَّسْنِيمُ مَعْرِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلْمَاءِ فَالْعَيْنُ نَكِرَةٌ فَخَرَجَتْ نَصْبًا‏.‏ وَقَالَ آخَرُ مَنِ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏{‏مِنْ تَسْنِيمٍ‏}‏ مَعْرِفَةٌ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏عَيْنًا‏)‏ فَجَاءَتْ نَكِرَةً، فَنَصَبَتْهَا صِفَةً لَهَا‏.‏ وَقَالَ آخَرُ‏:‏ نُصِبَتْ بِمَعْنَى‏:‏ مِنْ مَاءٍ يَتَسَنَّمُ عَيْنًا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ التَّسْنِيمَ اسْمٌ مَعْرِفَةٌ وَالْعَيْنُ نَكِرَةٌ، فَنُصِبَتْ لِذَلِكَ إِذْ كَانَتْ صِفَةً لَهُ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا قَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، أَنَّ التَّسْنِيمَ هُوَ الْعَيْنُ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ إِذْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً وَهِيَ نَكِرَةٌ، وَأَنَّ التَّسْنِيمَ مَعْرِفَةٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ اكْتَسَبُوا الْمَآثِمَ، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، كَانُوا فِيهَا مِنَ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَصَدَّقُوا بِهِ ‏(‏يَضْحَكُونَ‏)‏، اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ بِهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ‏}‏ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُونَ‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَكَذبَةٌ، وَمَا هُمْ عَلَى شَيْءٍ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏30- 33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إِذَا مَرَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ؛ يَقُولُ‏:‏ كَانَ بَعْضُهُمْ يَغْمِزُ بَعْضًا بِالْمُؤْمِنِ، اسْتِهْزَاءً بِهِ وَسُخْرِيَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ إِذَا انْصَرَفُوا إِلَى أَهْلِهِمْ مِنْ مَجَالِسِهِمُ انْصَرَفُوا نَاعِمِينَ مُعْجَبِينَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُعْجَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ انْقَلَبَ نَاعِمًا، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَعْقَبَ النَّارَ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَعْنَى فَاكِهِينَ وَفَكِهِينَ، فَيَقُولُ‏:‏ مَعْنَى فَاكِهِينَ‏:‏ نَاعِمِينَ، وَفَكِهِينَ‏:‏ مَرِحِينَ‏.‏ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْـزِلَةِ طَامِعٍ وَطَمَعٍ، وَبَاخِلٍ وَبَخِلٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا رَأَى الْمُجْرِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَهُمْ‏:‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَسَبِيلِ الْقَصْدِ ‏{‏وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَمَا بُعِثَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْقَائِلُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ ‏{‏إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ‏}‏ حَافِظِينَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالِهِمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا كُلِّفُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ، وَلَمْ يُجْعَلُوا رُقَبَاءَ عَلَى غَيْرِهِمْ يَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ وَيَتَفَقَّدُونَهَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34- 36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏فَالْيَوْمَ‏)‏ وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ‏(‏الَّذِينَ آمَنُوا‏)‏ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا ‏{‏مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏ فِيهَا ‏{‏يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَلَى سُرُرِهِمُ الَّتِي فِي الْحِجَالِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَالْكُفَّارُ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي‏:‏ السُّرُرُ الْمَرْفُوعَةُ عَلَيْهَا الْحِجَالُ‏.‏ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِنِ السُّورَ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يُفْتَحُ لَهُمْ فِيهِ أَبْوَابٌ، فَيَنْظُرُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى السُّرُرِ يَنْظُرُونَ كيف يُعَذَّبُونَ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا أَقَرَّ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَهُمْ، كَيْفَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‌ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏}‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنْ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كُوًى، فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوٍّ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، اطَّلَعَ مِنْ بَعْض الْكُوَى، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ‏}‏ أَيْ‏:‏ فِي وَسَطِ النَّارِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جَمَاجِمَ الْقَوْمِ تَغْلِي‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ كَعْبٌ‏:‏ إِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ أَهْلِ النَّارِ كُوًى، لَا يَشَاءُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِلَّا فَعَلَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ‏}‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ السُّورُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُفْتَحُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَبْوَابٌ، فَيَنْظُرُونَ وَهُمْ عَلَى السُّرُرِ إِلَى أَهْلِ النَّارِ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا أَقَرَّ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَهُمْ، كَيْفَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُجَاءُ بِالْكُفَّارِ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سُرُرٍ، فَحِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ تُغْلَقُ دُونَهُمُ الْأَبْوَابُ، وَيَضْحَكُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْهُمْ، فَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَلْ أُثِيبَ الْكَفَّارُ وَجُزُوا ثَوَابَ مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ سُخْرِيَتِهِمْ مِنْهُمْ، وَضَحِكِهِمْ بِهِمْ بِضَحِكِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ، وَهُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ‏.‏

و ‏(‏ثُوِّبَ‏)‏ فِعْلٌ مِنَ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ثُوِّبَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى صَنِيعِهِ، وَأَثَابَهُ مِنْهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ جُزِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ‏:‏ ‏{‏هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ حِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏.‏